سلاح ذو حدّين..أم رفيق لا يتململ..أتراه الصديق الوفي..أم هو اللصّ الجريء..؟!
البطاريّة فارغة...جهازي لا يفارقني..قمّة تعبيره عن الضجر أن يقول البطاريّة فارغة فضلاً أعد الشحن..تجتمع الأسرة ليس على أهازيج التواصل الأسريّ الذي يضجّ بالأحاديث والقصص والحكايات التي تعبّر عن القرب الروحي بين الأفراد، ولكن صار الإجتماع كلٌ مطرق رأسه وأصابعه تداعب أيقونات جهازه الجوّال، أو كمبيوتره أو الآي بود، أو غيرها من التقنيّات التي باتت تشكّل حواجزاً أسريّة تصعب السيطرة عليها في كثير من الأحيان.
جهازي صديقي، هكذا صارت التعابير بين الأفراد..
[] لا أريد أجساداً...
أم ابراهيم عجوز سبعينيّة، تصرخ يوماً بأبنائها في لحظة من إحتلال أجهزتهم لمجلسها، وتقول: لا أريد أجساداً بلا أرواح!!.
[] لكلّ إدمان ضريبة...
إنّ الإدمان على تعاطي مكنونات الأجهزة التقنيّة ولّد الكثير من الحالات والصور السلبيّة التي خلّفت عدداً من الخسائر الماليّة والصحيّة، فمن حالات الإجهاد البصريّ، إلى حالات من التهاب العصب السمعيّ، وإنتهاء بحالات من الركود الفكريّ، وإختلال بعض القدرات العقليّة من جرّاء الإشعاعات الناجمة عن تلك الأجهزة، وقتل روح الإبداع والإكتشاف، فبعض تلك الأجهزة تعتمد على التلقّي دون إعمال للتفكير.
يقول خالد: الحقيقة أنّي أصبحت أدخل في عالم من السرحان إذا لم يكن معي الآي بود، هو لا يفارقني، وصار شغلي إذ دائما أبحث عن جديده ليكون في حساب الميزانيّة.
[] الكتاب يعتب..
وتقول غادة: لا أذكر آخر مرّة قرأت فيها كتابا، إذ مع تكاثر الأجهزة بين أيدينا لم يعد هناك الوقت الكافي للكتاب، وكأنّي أراه يعتب علينا.
وتوافقها الرأي زميلاتها قائلات: حتّى أحاديثنا تحوّلت لتتبّع آخر البلوتوثات وجديد المقاطع الصوتيّة، وكيفيّة تحميلها.
أمّا عبد الرحمن فيقول: لا يشكّ عاقل في مدى حاجتنا لمواكبة مثل هذه التقنيّات، ولكنّ الذي نحتاجه هو إتقان فنّ التعامل مع الجديد، وألا نكون كالإسفنج يتشرّب كلّ ما يقترب منه، ولكنّ مشكلتنا أنّنا نتعامل معها بشرّها، فنقع في تخبّط لا مفرّ منه.
والمشكلة الكبرى التي أفصح عنها فارس هي مساهمة تلك الأجهزة في إنحطاط المستوى الأخلاقيّ لصغار السنّ الذين تصلهم أخلاقيّات إلى أجهزتهم لا يستطيعون تمييز غثّها من سمينها!
[] سارق الصحّة والوقت..
وتشير أمّ ريّان إلى إرتفاع مستوى البلاهة بين الأطفال، وهذا ما تلحظه من خلال تعلّق إبنها في البلاي ستيشن المحمول، والذي بسببه إنخفض وزنه وتدنّى مستواه الدراسيّ لأنّه صار رفيقه على مدار الساعة.
وصارت تلك الأجهزة تحتلّ أفضل الأوقات لدى فئات المجتمع على إختلاف عمرها الزمنيّ، لتكون عدوّا للوقت الذي يمضي وما إستهلكنا تلك المعطيات التقنيّة، ففي كلّ يوم جديد ونحن لم نتقن تقنين الهوس الشرائي.
يؤكّد ذلك أحد المربّين ويقول: إنّ الزخم التقنيّ مع غياب الوعي في تعاطيه هو أحد وسائل إنعاش العيادات الطبيّة لما لها من تأثير سلبيّ على الصحّة إذا تجاوزت الحدود ولم يتحقّق الإعتدال في التعامل معها، فمثلا شاب يجلس أمام شاشة الكمبيوتر خمس ساعات متواصلة، ما الذي سيخلّفه عليه؟ لعلّ أقلّ ما يجنيه هو ضعف النظر، صداع في الرأس، ولعلّنا نلاحظ كثرة مرتادي عيادات العمود الفقري والمفاصل من جرّاء الجلسات التي في غالبها غير صحيحة أمام الشاشة.
ويؤكّد ذلك أحد أطباء العظام حيث يقول: كثر زوار عيادتنا من الشباب وأسباب معاناتهم هو طول الجلسة أمام الكمبيوتر دون تحسّب للوضع الصحيح أو الوقت.
[] تكنولوجيا سلبيّة...
وتعلّق مرشدة إجتماعيّة على تأثير التكنولوجيا السلبيّ على الحياة الإجتماعيّة للبشر وتجاوزات هزّت الكيان الإجتماعيّ والروابط الأسريّة، وتخصّ الحاسب المحمول الذي سيطر إستخدامه على الشباب بعينهم وشرائح متعدّدة، وإنتزع هذا الجهاز منهم الإحساس بالوقت والمكان والتآلف، فهناك من يحمل حاسبه المحمول إلى الشاطئ أو المتنزّهات، ويبدأ بتشغيله والإندماج حارما بذلك نفسه الإحساس بجمال الطبيعة ليغيب الحسّ الإنسانيّ الفطريّ.
[] حلول عمليّة..
تقول أم خالد: لمّا رأيت أنّ بيتي إزدحمت فيه الأجهزة وصارت كالسيل يجتاح عقول أبنائي، فرضت عليهم قوانين صارمة في تحديد ساعات معيّنة لذلك، وإلا فسأخسر أبنائي لأنّ أجهزتهم صارت الصديق الأمين بالنسبة لهم، والتسلية التي تروق لهم.
ويشير أ. محمد إلى ضرورة إيجاد الوعي ليس لدى صغار السنّ فحسب، بل حتّى عند الشباب، لأنّه أيقن حقيقة ما يعرف بالإدمان التقنيّ.
مسكين ذلك الشاب الذي حمّل نفسه ما لا تطيق، يتنقّل ومعه كمبيوتره المحمول، واثنين من الهواتف المحمولة وجهاز الآي بود، والكثير من الوصلات، وغيرها... فاللهم لا تشقنا.
[] صيحة في عالم المرضى..
لما زاحمتنا الأجهزة بشتّى صورها صرنا نرى حتّى بعض المرضى ممّن عمّهم الهوس التقنيّ من مرضى الضغط والسكر صاروا لا يتنقّلون إلا وهم يحملونها إلى درجة إصابتهم بداء وسوسة القياس حتّى دون حاجة، فالسؤال الذي يغرق في لحظات ترقّب للمستقبل، ما هي نهايتنا مع الأجهزة، وهل سندخل عالما من الريبوتات يقومون بالتواصل نيابة عنا؟؟!!
رحم الله أجدادا سلفوا حيث كان يتملّكهم الخوف من زمن تخيّلوه بعيدا، فيه يتكلّم الحديد، وها هو الحديد ينطق في هواتفنا وأجهزتنا ويقرّب البعيد، ومازلنا نترقّب المزيد، ولكنّ العقلاء يطالبون بالتقنين، والتثقيف، وعودة للتواصل الإنسانيّ، وإلا فكلّنا يؤمن ب {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل:8].
الكاتب: هند الزميع.
المصدر: موقع رسالة المرأة.